18. فريضَتا المعموديَّة والعشاء الربَّانيّ
‘‘بولُسُ وتيموثاوُسُ عَبدا يَسوعَ المَسيح، إلَى جميعِ القِدِّيسينَ في المَسيحِ يَسوعَ، الذينَ في فيلِبِّي، مع أساقِفَةٍ وشَمامِسَة’’.
(فيلبِّي 1: 1)
‘‘تتمثَّلُ الوظائف في كنيسة العهد الجديد المحلِّيَّة في الرُّعاة والشَّمامسة
(فيلبِّي 1: 1). تصف كلمات مثل “أسقف أو شيخ أو راعٍ” الوظيفة نفسها’’.
هيرشل هوبس
اقتباسٌ مِن ‘‘الإيمان المعمدانيُّ والرسالة’’
أكَّد نظامُ الإدارة المعمدانيُّ على مرِّ السنين وظيفَتَين روحيَّتَين في كنيسة العهد الجديد: الرُّعاة والشَّمامسة. ويؤمِنُ المعمدانيُّون بأنَّ الكتابَ المقدَّسَ يُعلِّمُنا أنَّ جميعَ المؤمنين مدعوُّون لخدمة الآخرين وتعليمهم بِاسْم المسيح. لكنَّ بعض المؤمنين مدعوُّون من الله، وقد أعطاهم مواهبَ ليؤدُّوا أدوارًا معيَّنة في الخدمة مثل الرُّعاة والشَّمامسة.
الرُّعاةُ المعمدانيُّون
يُعلِنُ المعمدانيُّون أنَّ وظيفةَ الراعي هي إحدى وظيفتَين تتَّبعُهما الكنيسةُ التي تَحتَذي بكنائسِ العهد الجديد. ويستخدم الكتاب المقدَّسُ ثلاثَ كلماتٍ لوَصْف الوظيفة نفسها: شيخ أو راعٍ أو أسقف. في لغة العهد الجديد اليونانيَّة، تُشير هذه الكلمات إلى وظائفَ مختلفةٍ، لا إلى أشخاصٍ مختلفين (أعمال 20: 17-28؛ 1بطرس 5: 1-5). وينظرُ المعمدانيُّون إلى الكتاب المقدَّس لمعرفة مؤهِّلات الأشخاص الذين يَعمَلون في وظيفةِ الرُّعاة (1تيموثاوس 3: 1-7؛ تيطس 1: 5-9)، وتُقسَم المؤهِّلاتُ عمومًا إلى فئتَين: السِّماتُ الشخصيَّة ومواهب الخدمة. ويجب أن يُستخدَمَ منصبُ الراعي في خدمة الآخرين وليس بأساليبَ أنانيَّةٍ تهتمُّ بالذَّات.
تختارُ كلُّ كنيسةٍ معمدانيَّةٍ الشخص أو تدعوه ليكونَ راعيها، وتختلف هذه العمليَّة بدرجةٍ ما بين الكنائس، لكنْ تتبعُ معظم الكنائس النمط الآتي:
- عندما تكونُ الكنيسة بلا راعٍ، تنتخبُ جماعةُ المؤمنين لجنةً للبحث عن راعٍ، وتُقيِّم مؤهِّلات الأشخاص المختلفين بروح الصَّلاة لاختيار واحدٍ منهم ليكونَ راعيًا للكنيسة.
- بعد التشاوُر بكلِّ تأنٍّ، تُقدِّم اللجنة توصياتٍ لكلِّ الكنيسة بالشخص الذي تعتقد أنَّ الله يريدُه أن يكونَ راعيًا للكنيسة.
- يزورُ الراعي المرتقَب الكنيسة ويَعِظُها ويعرضُ دَعوَتَه، ثمَّ تصوِّتُ جماعةُ المؤمنين على ما إذا كانت تقبلُ ‘‘دعوته’’ أم لا. إذا كان التصويتُ في مصلحة قبول الدعوة، فعلى الراعي المرتقَب أن يقرِّرَ بشأن قبول رعاية تلك الكنيسة أو عدم قبولها.
- يخدمُ الراعي في الكنيسة ما دام متَّفقًا مع جماعةِ المؤمنين على استمرار العلاقة ما بينهما.
العلاقة بين الراعي والكنيسة خاصَّةٌ جدًّا، ولدى كلٍّ منهما فرصٌ ومسؤوليَّاتٌ تجعلُ العلاقة إيجابيَّةً ومثمرة عند التزامها؛ فمثلًا على الكنيسة أن تُصلِّيَ لأجل الراعي، وتقدِّمَ الدعمَ الماليَّ له، وتُشجِّعَه وتُساعدَه على تنفيذ أهداف الكنيسة. وبالمثل، يجب أن يُصلِّيَ الراعي من أجل شعب الكنيسة ويخدمهم ويتلمذهم، ويُقدِّم لهم القيادةَ الخادمةَ بكلِّ تَقْوى.
الشَّمامسةُ المعمدانيُّون
الوظيفةُ الثانية في الكنيسة المعمدانيَّة هي الشَّمامسة. وفي حين تختارُ الكنيسةُ عادةً الرُّعاة من خارج عضويَّة جماعةِ المؤمنين، فإنَّ اختيارَ الشَّمامسة يقعُ على الأعضاء من داخل جماعة المؤمنين. وتُركِّز المؤهِّلاتُ التي يضعُها الكتاب المقدَّس للشَّمامسة (1تيموثاوس 3: 8-13) على السِّماتِ الشخصيَّة والعلاقات داخل الكنيسة والعائلة والمجتمع. ويجب أن يتمتَّعَ الشَّمامسةُ بشخصيَّةٍ لا غُبارَ عليها، وإيمانٍ عميقٍ يعتمد على الروح القدس.
يُسجِّلُ سفر أعمال الرسل 6: 1-6 على الأرجح بدايةَ دَورِ الشَّمامسة؛ فقد كان عليهم أن يهتمُّوا بالاحتياجات المادِّيَّة لجماعة المؤمنين حتَّى يتمكَّنَ الرُّعاة منَ التركيز على الاحتياجات الروحيَّة. والشَّمامسةُ ليسوا إداريِّين، بل هُم قادةٌ خُدَّام.
تشملُ عمليَّةُ اختيار الشَّمامسة في الكنيسة المعمدانيَّة كلَّ جماعة المؤمنين. ورغم أنَّ تفاصيل عمليَّة اختيار الشَّمامسة تختلفُ من كنيسةٍ إلى أُخرى، فإنَّ الممارسةَ الشائعةَ في الكنيسة هي التَّصويت على اختيارهم.
يختلف دورُ الشَّمامسة من كنيسةٍ إلى أُخرى. ففي كنائسَ عدَّة، يُطلَبُ إلى الشَّمامسة تقييم الأمور الأساسيَّة، وتقديم توصياتٍ للجماعةِ كلِّها للتَّصويت عليها. وتُشرِكُ الكنائسُ الشَّمامسة في خدماتٍ مختلفة، كزيارة المرضى، ومساعدة العائلات التي تعاني جرَّاء شدَّةٍ ما، وتقديم المعونة للفقراء.
الرِّسامةُ المعمدانيَّة
يعتقد المعمدانيُّون أنَّ الرِّسامة لا تمنحُ الشخصَ أيَّة سُلطةٍ خاصَّة، بل هي وسيلةُ توضيح للكنائس والعالم عمومًا أنَّ الكنيسة رسمَتِ الشخصَ ليكونَ راعيًا أو شمَّاسًا. في الآونة الأخيرة، وسَّع المعمدانيُّون من نطاقِ الرِّسامة ليشمَلَ أشخاصًا آخرين في الخدمة كالقساوسة والكارزين وخدَّام الكنيسة.
لكنْ لا يتَّفقُ جميع المعمدانيِّين على أنَّ الرِّسامة ضروريَّة. وتُمارِس معظم الكنائس المعمدانيَّة الرِّسامة الصالحة مدى الحياة، ومن ثَمَّ عندما ينتقلُ الراعي أو الشمَّاس من كنيسةٍ إلى أُخرى، لا يحتاج إلى إعادة رِسامته.
يرى المعمدانيُّون أنَّ الرِّسامةَ وظيفةُ الكنيسة لا الطائفة. ورغم أنَّ كنائسَ أُخرى، أو كِياناتٍ من الطائفة، قد تتلقَّى الدعوة للمشاركة، فإنَّ الكنيسةَ فعليًّا هي التي تُنجزُ رِسامةَ الشَّخص. وفي حالة الرُّعاة، يسبقُ الرِّسامةَ عادةً حصولُ الراعي على تصريحٍ بخدمة الإنجيل. ويسمحُ التصريحُ بزمنٍ فيه تُقيِّم الكنيسة ما إذا كان الشخصُ مناسبًا حقًّا للخدمة الراعويَّة. فإذا أثبتَ الدَّعوة الداخليَّة منَ الله بالروح القدس لخدمة الإنجيل؛ وأثبَتَ المؤهِّلات التي ذَكَرَها الكتاب المقدَّس عن هذه الوظيفة، وأظهر المواهبَ الضروريَّة للخدمة الراعويَّة الفعَّالة، فإنَّ الكنيسةَ تتَّخذُ خطوةَ رِسامته.
السماتُ المعمدانيَّة المميِّزة للرُّعاة والشَّمامسة
يرتبطُ النظامُ المعمدانيُّ في الإدارة في ما يخصُّ الرعاةَ والشَّمامسة بسِماتٍ معمدانيَّةٍ أُخرى مميِّزة. مثلًا، الكتابُ المقدَّسُ هو سُلطة الإيمان المعمدانيِّ وممارسته، ويُفسِّرُ المعمدانيُّون الكتابَ المقدَّس تفسيرًا يُشير إلى أنَّ هناك وظيفتَين في كنيسةِ العهد الجديد: الرُّعاة والشَّمامسة.
يُعلِّمنا الكتابُ المقدَّس أنَّ جميعَ مَن يؤمِنون بيسوع المسيح ربًّا ومخلِّصًا، صاروا كهنةً لهم حقُّ التواصُل مع الله، ودُخول محضره مباشرةً (1بطرس 2: 5؛ رؤيا 1: 6، 5: 10). لا حاجةَ إلى طبقةٍ خاصَّةٍ من الكهنوت (عبرانيِّين 8-10)، لذا لا يستخدمُ المعمدانيُّون مصطلح ‘‘كاهن’’ عند الإشارة إلى الراعي، ولا يحسبون أنَّ الراعي يعملُ بطريقةٍ كهنوتيَّة، ويتوسَّطُ بينهم وبين الله.
يؤمنُ المعمدانيُّون بأنَّ مفاهيمَ الكتاب المقدَّس عن كهنوت جميع المؤمنين والمقدرة الممنوحة للنَّفس لا تُضعِفانِ الدَّورَ المهمَّ الذي يؤدِّيه راعي الكنيسة. ومع أنَّ جميعَ المؤمنين الكهنة متساوون، فإنَّ بينهم أشخاصًا دعاهمُ الله، واختارَتْهم الكنيسةُ ليَكونوا قادة رعاة. وعلى المؤمنين ألَّا يتنازلوا للرُّعاةِ عن مسؤوليَّتهم في دراسة الكتاب المقدَّس وتفسيره وطلب مشيئة الله واتِّباعه ربًّا وسيِّدًا على حياتهم.
يُؤمِن المعمدانيُّون بالإدارة الجماعيَّة والاستقلال الذاتيِّ للكنائس. لذلك فلَيس مسموحًا لكياناتٍ مِن خارج جماعة المؤمنين المحلِّيَّة أن تعيِّنَ الرُّعاة. وكلُّ جماعةٍ منَ المؤمنين مسؤولة عن اختيار راعيها والشَّمامسة فيها. وتكون الإدارةُ في أيدي كلِّ الكنيسة وليس الرَّاعي أو الشَّمامسة. يُشير الكتاب المقدَّس إلى أنَّ على الراعي أن يُمارس قيادةً قويَّةً لا ديكتاتوريَّة (1بطرس 5: 1-5).
يوفِّر الاستقلالُ والحرِّيَّة تربةً غنيَّةً للاختلافات التي تُسهِم في تطوُّر الحياة المعمدانيَّة. وهذا ما يحدُث للرُّعاة والشَّمامسة. فمثلًا، على مرِّ تاريخ المعمدانيِّين، استخدمَتِ الكنائس ألقابًا عدَّة للشَّخص الذي يخدم في وظيفة الرَّاعي، واختلف المعمدانيُّون بخصوص إذا ما كان يُمكن أن يخدمَ الرِّجال والنِّساء في منصب الراعي والشمَّاس، كما أنَّ عددَ الشَّمامسة ومؤهِّلاتهم ووظائفهم تختلف أيضًا مِن كنيسةٍ إلى أخرى.
الخلاصة
رغم وُجودِ اختلافاتٍ ما بين المعمدانيِّين من جهة منصبَيِ الرُّعاة والشَّمامسة، فإنَّهم يتَّفقون على أنَّ الله وضعَ هاتَين الوظيفتَين المهمَّتَين لتوفير القيادة الخادمة للكنائس.