11. الإدارة الجماعيَّة للكنيسة
‘‘هكذا نَحنُ الكَثيرين: جَسَدٌ واحِدٌ في المَسيحِ، وأعضاءٌ بَعضًا لبَعضٍ، كُلُّ واحِدٍ للآخَر’’.
(رومية 12: 5)
مَنْ يُدير كنيستَك؟ مَنْ يختار قيادتك الراعويَّة؟ مَنْ يُقرِّر طريقةَ إنفاق العشور والتقدُّمات؟ مَنْ يُحدِّد المعتقدات والممارسات التي تُوجِّه كنيستك؟ مَنْ يملك ممتلكات كنيستك؟ يُحدِّد نظامُ الكنيسةِ الأساسيّ، أو الإدارة الجماعيَّة للكنيسة، الإجابات عن مثل هذه الأسئلة.
ما تعريفُ الإدارة الجماعيَّة للكنيسة؟
يوضِحُ النظامُ الأساسيُّ للإدارة الطريقةَ التي تعمل بها مؤسَّسةٌ مثل الكنيسة، ويقصد به السياسات التي تُوجِّه أمورًا مثل الإدارة، واتِّخاذ القرار، والهيكل التنظيميِّ والقيادة. ويختلف المعمدانيُّون عن معظم الطوائف المسيحيَّة في الأمور التي تخصُّ النظامَ الأساسيَّ لإدارة الكنيسة، ويبدو الاختلاف جليًّا تحديدًا في طريقة الإدارة الجماعيَّة للكنيسة.
يتمثَّل أحد الاختلافات الأساسيَّة ما بين المعمدانيِّين والكثير من الطوائف الأُخرى في أنْ لا أحَدَ أو مجموعة من خارج جماعة المؤمنين المعمدانيَّة له سلطة على الكنيسة بخصوص المعتقدات والممارسات الدينيَّة. علاوةً على ذلك، يتمتَّعُ جميع أعضاء الشركة في الكنيسة بالمساواة في الإدارة الجماعيَّة للكنيسة.
يُطلَق أحيانًا على إدارة الكنيسة المعمدانيَّة مصطلح ‘‘ديمقراطيَّة’’، وينطبق هذا المصطلح عليها بالفعل. في الديمقراطيَّة، يتمتَّع الجميع بأصواتٍ متساويةٍ في اتِّخاذ القرار، فليس هناك فردٌ أو مجموعةٌ للتحكُّم في الأمور والسيطرة عليها. وهذه هي حال الكنيسة المعمدانيَّة. وإحدى الوسائل التي تمارس بها الإدارة الديمقراطيَّة هي أنَّ لكلِّ عضوٍ في الكنيسة الحقَّ في التصويت على المسائل المطروحة في اجتماعات عمل الكنيسة.
يرى كثيرون من غير المعمدانيِّين، وأيضًا بعض المعمدانيِّين، أنَّ هذه الطريقةَ غريبةٌ في عمل الكنيسة، ويبدو من الحمقة وَضْعُ إدارة الكنيسة في أيدي أشخاصٍ ليس لديهم تدريب خاصٌّ أو تعليمٌ أو دعوة. لماذا يجرُؤ المعمدانيُّون على العمل بهذه الطريقة؟
ما أُسسُ الإدارة الجماعيَّة؟
تتوافَقُ المعتقدات عند المعمدانيِّين مع نظام الإدارة الأساسيّ، وتعدُّ أساسيَّةً له أيضًا، لذا ترتبط المعتقدات المعمدانيَّة الأساسيَّة بالإدارة الجماعيَّة للكنيسة.
ربوبيَّة المسيح
من ناحيةٍ أُخرى؛ وحسب المعنى الدقيق لكلمة ‘‘ديمقراطيَّة’’، لا يؤمنُ المعمدانيُّون بالإدارة الديمقراطيَّة للكنيسة؛ لأنَّ الكلمةَ هي مصطلحٌ سياسيٌّ يعني ‘‘حُكم الشعب’’، في حين يرى المعمدانيُّون أنَّ السُّلطة المطلَقَة للكنيسة ليست في يد الشعب، بل هي في يسوع المسيح الذي هو رأسُ الكنيسة وربُّها (أفسس 4: 15؛ فيلبِّي 2: 11). لعلَّ المصطلح المناسب الذي يصف إدارة الكنيسة المعمدانيَّة هو ‘‘ثيوقراطيَّة’’ بمعنى حُكم الله بواسطة جماعة المؤمنين من أعضاء الكنيسة.
سُلطة الكتاب المقدَّس
يعتقد المعمدانيُّون أنَّ الإدارة الجماعيَّة للكنيسة تعكسُ بأفضل صورةٍ ممارساتِ تلك الكنائس التي يصفها العهد الجديد. مثلًا، يعمل أعضاء الكنيسة بجماعيَّةٍ ولا يتَّخذُ أيُّ فردٍ أو مجموعةٍ قراراتٍ مفصليَّة (أعمال 6: 1-6).
الخلاص بالنِّعمة وحدها بالإيمان
يؤمنُ المعمدانيُّون بأنَّ جميع المفديِّين قَبِلوا بالنعمة الإيمان المخلِّص بالمسيح وليس بناءً على أعمال بشريَّة أو وَضْع اجتماعيٍّ أو أيِّ شيءٍ آخر (أفسس 2: 8-10)؛ فالجميع متساوون عند الصليب، لذا لا يسود مؤمنٌ معمدانيٌّ على آخر، ويجب أن يُديرَ جميع المؤمنين معًا الكنيسة تحت ربوبيَّة المسيح.
المقدرة الممنوحة للنَّفس وكهنوت المؤمنين
وهبَ الله أشخاصًا قدرة ليعرفوا مشيئةَ الله ويتبعوها. وأولئك الأشخاص هم مَن يتجاوبون بالإيمان مع عطيَّة النعمة الإلهيَّة التي تُقدِّم الخلاص، ومن ثَمَّ يُصبحون ‘‘كهنة مؤمنين’’ (1بطرس 2: 9؛ رؤيا 5: 1-10). يتمتَّعُ كلُّ كاهنٍ مؤمنٍ بإمكانيَّة التواصُل المباشر مع الله بواسطة الكتاب المقدَّس والصلاة، بإرشادٍ من الروح القدس لتحديد مشيئة الله. علاوةً على ذلك، يُعدُّ كلُّ مؤمنٍ أيضًا جزءًا من ‘‘الكهنوت الملوكيِّ’’ الذي فيه يسوع المسيح هو رئيس الكهنة (عبرانيِّين 7-10)، وهذا الكهنوت هو شركةٌ فيها يسعى كلُّ كاهنٍ مؤمنٍ إلى طلبِ إرشادِ الله بصفته عضوًا عاملًا في هذه الشركة.
عضويَّة الكنيسة للمؤمنين المعمدانيِّين
يتمسَّك المعمدانيُّون بشدَّةٍ بتعاليم الكتاب المقدَّس التي تؤكِّد أنَّ الكنيسة تتكوَّن ممَّن نالوا الخلاصَ بالإيمان بالمسيح، واختبروا معموديَّةَ الماء بالتغطيس. لذا فالكنيسة هي شركةٌ من المؤمنين المعمَّدين، أو بكلماتٍ أُخرى، مجتمع من الكهنة المؤمنين، كما أنَّ إدارة الكنيسة المحلِّيَّة ليست في يد فردٍ أو قلَّة من الأفراد، بل في يد جميع الأعضاء.
أسئلةٌ وقضايا
تأتي أُسس الإدارة الجماعيَّة للكنيسة من تعاليم الكتاب المقدَّس، وترتبط بوُضوحٍ بالقناعات المعمدانيَّة الأساسيَّة. لكنَّ الناس يطرحون أحيانًا الأسئلة التاليةَ عن مثل هذا النظام الأساسيِّ للإدارة:
مَنِ المسؤول؟ في عالم الأعمال غالبًا ما يكون رئيس المنشأة أو مديرها التنفيذيُّ هو المسؤول، لذا منَ الطَّبيعي أن يُفكِّر كثيرون في هذه المصطلحات عندما يتعلَّق الأمر بتنظيم الكنيسة. لكنْ المعمدانيِّين يصرُّون، استنادًا إلى تعاليم الكتاب المقدَّس والعقائد المعمدانيَّة الرئيسيَّة، على أنَّ المسيح هو المسؤول الوحيد عن كنيسته، وأنَّ على الأعضاء أن يطلبوا مشيئةَ المسيح للكنيسة ويتَّبعوها.
ألا يتمتَّعُ القِسُّ أو الراعي بسُلطةٍ على الكنيسة؟ ماذا بشأن الشَّمامسة أيضًا؟ يُشير الكتاب المقدَّس إلى أنَّ الرعاة يؤدُّون أدوارًا مهمَّةً في الكنيسة (1تيموثاوس 3: 1-7). غير أنَّ هذه الأدوار لا تُؤدِّيها سُلطةٌ ديكتاتوريةَّ، بل سُلطةٌ خادمة؛ فالقيادة الروحيَّة ليست ‘‘كمَنْ يَسودُ علَى الأنصِبَة’’ (1بطرس 5: 3). يُشير الكتاب المقدَّس إلى أنَّ الرعاة يتحمَّلون مسؤوليَّاتٍ كبيرة وأعضاء الكنيسة يحترمون أدوارَ القيادة الخادمة، وهذا ما يقوله كاتب رسالة العبرانيِّين: ‘‘لكَيْ يَفعَلوا ذلكَ بفَرَحٍ، لا آنِّين’’ (عبرانيِّين 13: 17). كما أنَّ الشَّمامسةَ أيضًا لا بدَّ أن يكونوا خُدَّامًا للكنيسة لا سادةً عليها.
كيف يجب اتِّخاذ القرار؟ تختلف الكنائس المعمدانيَّة في الأساليب المحدَّدة التي تتَّخذ بها القرارات لأنَّها مستقلَّة، ويدعو النظامُ المعمدانيُّ الأساسيُّ الأعضاءَ كلَّهم لأن يكونوا مسؤولين عن القرارات التي تُتَّخذ وَفقًا لمشيئة الله للكنيسة. لكنْ لا يكونُ دائمًا عمليًّا أن يشتركَ كلُّ الأعضاء في كلِّ قرار؛ لذا تتبعُ الكنائسُ مجموعةً منَ الإجراءات في تنفيذ عمل الكنيسة، وتصيغ الكثير منَ الكنائس الإجراءات في دستورٍ لها أو لوائحَ داخليَّة.
تفوِّضُ بعض الكنائس مسؤوليَّةَ اتِّخاذ قراراتٍ معيَّنة للِّجانِ أو إلى الراعي والخدَّام، الذين بدَورهم يُقدِّمون توصيات بشأن المسائل الأساسيَّة إلى جماعة المؤمنين للموافقة عليها، وكثيرًا ما تُقيَّمُ التوصيات التي يقدِّمها الراعي أو اللجان أو الخدَّام من الشَّمامسة قبل أن تقدَّم إلى الأعضاء في اجتماعٍ عمل.
من الناحية المثاليَّة، تُشجِّعُ الكنيسةُ جميعَ الأعضاء على المشاركة في اجتماعات العمل التي تُعقَد بانتظامٍ بعد خدمات العبادة كلَّ ثلاثة أشهر، وتعقد اجتماعات العمل الخاصَّة لمناقشة مسائلَ رئيسيَّة، كالتصويت على توصيات اللجنة لتعيين راعٍ جديدٍ مثلًا.
ألا يفتقرُ هذا النظامُ الإداريُّ إلى الفعَّاليَّة؟ قد يكون غير فعَّالٍ من بعض النواحي، لكنَّه فعَّالٌ عمومًا؛ لأنَّه يُشرِكُ جميعَ الأعضاء في القرارات بشأن حياة الكنيسة وخدمتها. وبسبب هذا التمثيل، تتقوَّى الكنيسة ويشعر الناس أكثر بأنَّهم جزءٌ منَ الكنيسة. وقد أثبتَتِ الكنيسةُ التي يُديرها الأعضاء أنَّها فعَّالة في تنفيذ أهدافها، كالكرازة والتلمذة والخدمة.
الخلاصة
يبدو منَ الواضح أنَّ هذا النَّهج في إدارة الكنيسة مثاليٌّ ويصعبُ تنفيذه. وستتناوَل المقالة المقبلة في هذه السِّلسلة بعضَ الصعوبات التي تُواجِه هذا النهج. ويعتقد المعمدانيُّون أنَّهم ينبغي أن يُجاهدوا لتحقيقِ هدفِ الإدارة الجماعيَّة للكنيسة رغم الصعوبات التي يواجِهونها؛ لأنَّ هذا النموذجَ يقدِّمه العهد الجديد في إدارة الكنيسة، ويتوافَق مع العقائد الأساسيَّة للكتاب المقدَّس، وهي عقائدُ يعتزُّ بها المعمدانيُّون.
‘‘كلُّ صورةٍ من صُوَرِ النظام الأساسيِّ لا تتبعُ الديمقراطيَّة، تنتهك ربوبيَّةَ المسيح بطريقةٍ ما’’.
إدغار يونغ مولينز
اقتباسٌ من ‘‘ثوابت الدِّين’’